يعد كتاب مدارج السالكين للإمام ابن القيم الجوزيه دليل كامل لكل من يريد أن يسلك طريق الكمال والتقرب إلى الله فهو يقدم موسوعة شاملة للمسلم، حيث إنه يعد من أعمق ما كتب في مجال التصوف والسلوك، كما يمثل رحلة استكشافية داخل النفس البشرية، للتخلص من نواقصها وتهذيبها، وسوف نستعرض معكم في هذا الكتاب ملخص لأهم الاقسام والأفكار التي وردت بداخله.
أقرأ أيضًا: ملخص كتاب لا تيأس
نبذة عن ابن القيم الجوزية رحمه الله
الإمام محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، هو أحد أئمة الإسلام وأعلامه في القرن الثامن الهجري، اشتهر بتنوع علمه، وعمق بصيرته، وقد ترك لنا تراثًا علميًا ضخمًا في شتى المجالات، من التفسير والفقه إلى الحديث والعقيدة.
وقد كان ابن القيم شخصية متصوفة، اهتم بالجانب العملي للدين، وسعى إلى تطبيق تعاليم الإسلام في حياته اليومية، وقد ولد الإمام ابن القيم الجوزية في مدينة دمشق الشام في السابع من شهر صفر عام 691 هجريًا الموافق للعام 1292 ميلاديًا.
وقد ترك ابن القيم الجوزية إرثًا علميًا ضخمًا، يضم العديد من المؤلفات القيمة في مختلف العلوم الإسلامية، ومن أهم أعماله:
- زاد المعاد في هدي خير العباد.
- الفوائد.
- روح المعاني.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين.
- طب العقول.
- نبذة تعريفية عن كتاب مدارج السالكين للإمام ابن القيم الجوزيه
يعدّ كتاب “مدارج السالكين” من أبرز مؤلفات ابن القيم، وهو عبارة عن رحلة تفصيلية في مراحل السلوك إلى الله يبدأ الكتاب بتناول الأسس التي يقوم عليها السلوك الصحيح، مثل التوحيد والإخلاص، ثم ينتقل إلى شرح المراحل المتقدمة، كالتوبة والإنابة، والزهد والورع، وصولًا إلى مقامات العارفين بالله.
ويرجع تاريخ كتابة كتاب مدارج السالكين للإمام ابن القيم الجوزيه إلى سنة 751 هـ، أي حوالي عام 1351م، وقد تم ترجمة بعض المقاطع والأجزاء من كتاب مدارج السالكين إلى لغات أخرى، مثل الإنجليزية والفرنسي.
لكن لم تتواجد ترجمة كاملة حتى الآن، نظراً لطول الكتاب وصعوبة ترجمة معانيه دون فقدان المعنى الأصلي للنصوص.
وفي الواقع فقد تم نشر الكتاب في العديد من دور النشر العربية، ومن أشهرها، دار الكتب العلمية، دار ابن حزم، دار عالم الفوائد، المكتبة الشاملة، أما عن تقسيم الكتاب فينقسم الكتاب بشكل عام إلى خمسة أقسام رئيسية يتناول كلاً منها عدة مواضيع.
تعرف على: ملخص كتاب إحياء علوم الدين
ملخص كتاب مدارج السالكين لابن القيم الجوزية
ينقسم كتاب مدارج السالكين إلى خمسة أجزاء أساسية يندرج تحت كلاً منها عدة موضوعات ستتناولها بشكل موجز كالآتي:
القسم الأول (أسس السلوك)
يبدأ الكتاب بتأسيس القواعد المتينة التي يجب أن يبني عليها المسلم سلوكه الذي يعد بمثابة نقطة الانطلاق التي ينطلق منها المسلم في رحلته نحو الله، فيتناول في البداية مفهوم التوحيد الخالص وهو الاعتقاد بأن الله هو الخالق والرازق والمالك لكل شيء، وأن لا إله إلا هو.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى مفهوم الإخلاص في العمل، وهو أن يكون العمل لله وحده، دون شريك، وأن يكون الهدف من العمل هو التقرب إلى الله، وليس الرياء أو السمعة،
ثم يتناول أساس آخر من أسس السلوك السليم ألا وهو محبة الله ورسوله، والتي تتجلى في الطاعة لله ورسوله، وفي اتباع سنتهما، وفي الجهاد في سبيل الله،.
ويشير ابن القيم بعد ذلك إلى مفهوم الخوف من الله، والذي يشرحه بأنه هو الشعور بالرهبة من الله وعظيم سلطانه، والخوف من عقابه، ذلك أن الخوف من الله يمنع العبد من المعاصي والذنوب، ويدفعه إلى التقرب إلى الله بالطاعات.
يلي في ذلك الحديث؛ الأمل في رحمة الله ومغفرته وتوبته، ذلك أن الأمل في رحمة الله يمنح السالك القوة والصبر على طاعة الله، ويجعله يتجاوز الصعاب والعقبات.
وعلى نفس النسق يناقش ابن القيم أساس آخر من أسس السلوك عند المسلم السوي ألا وهو الصبر والرضا على المصائب والابتلاءات، والرضا بقضاء الله وقدره.
لأن ذلك من أهم صفات المؤمن، فهما يجعلانه ثابتًا على دينه، ولا ييأس من رحمة الله، وبالمثل نجد المجاهدة النفسية ضد النفس الأمارة بالسوء، والتغلب على الهوى والشهوات، والتي تعتبر شرط أساسي للوصول إلى الكمال الروحي، فهي تزكي النفس وتطهرها من الأخطاء والمعاصي.
استمتع بقراءة: ملخص كتاب الأصول الثلاثة
القسم الثاني (مراحل السلوك)
يعتبر الجزء المتعلق بمراحل السلوك في كتاب “مدارج السالكين” للإمام ابن القيم جزء شديد الأهمية، حيث يقدم لنا عدة مراحل للسير في طريق الله، ويصف ابن القيم هذه المراحل بوضوح ودقة، معربًا عن كل مرحلة بوصف خاص وأحوال نفسية معينة.
فعلى سبيل المثال نجد مرحلة التوبة النصوح، وهي الرجوع عن المعاصي والذنوب والإقلاع عنها نهائيًا، مع الندم الشديد على ما فات والعزم على عدم العودة إليه، ثم يناقش ابن القيم مرحلة الزهد في الدنيا.
وهو ترك التعلق بالدنيا وملذاتها، والانصراف إلى الآخرة، وأن يرى الزاهد الدنيا وما فيها زائلة فانية، ولا يعلق قلبه بها، بل يجعل همه الآخرة.
ويلي مرحلة الزهد؛ مرحلة الورع، والتي يقصد بها الحذر من الوقوع في الحرام والمشبوه، والخوف من الله في السر والعلن.
ويتناول ابن القيم مرحلة الخشوع والتذلل، والتي يشير فيها إلى الانكسار لله والتذلل بين يديه، والإحساس بصغره أمام عظمته.
هذا بالإضافة إلى البعد عن الشبهات، أي تجنب كل ما يشك في حله أو حرمته، وتأتي بعد ذلك المرحلة قبل الأخيرة وهي مرحلة السكون والاطمئنان، وهي حالة من السكينة والطمأنينة في القلب، تنتج عن اليقين بالله والثقة به.
وأخيراً مرحلة مقامات العارفين بالله، وهي المقامات العليا التي يصل إليها العارفون بالله، وهي مقامات لا يدركها إلا من وهبه الله ذلك.
أقرأ كذلك: ملخص كتاب تاريخ الخلفاء
القسم الثالث (الوسائل والآداب)
بعد أن استعرضنا مراحل السلوك في كتاب “مدارج السالكين”، ننتقل الآن إلى الحديث عن الوسائل والآداب التي تساعد السالك على اجتياز هذه المراحل والوصول إلى الكمال الروحي.
ويشرح ابن القيم في هذا القسم أن من أولى الوسائل التي تساعد السالك في طريقه هو القرآن الكريم، لأنه هو الدستور السماوي والمرجع الأساسي للسالك.
يليه بالتبعية السنة النبوية، وهي التطبيق العملي للقرآن الكريم، وهي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي يجب على المسلم أن يتبعها، ثم الذكر،وهو لفظ الله تعالى على اللسان وقلباً، وهو غذاء الروح ونور القلوب.
ثم ينتقل إلى مخ العبادة ألا وهو الدعاء، وهو طلب العبد من ربه ما يحبه ويرضاه، وهو سلاح المؤمن القوي، وقبل كل شيئ الصلاة، وهي عمود الدين، وركن من أركان الإسلام، وهي أقرب ما يكون العبد من ربه.
هذا إلى جانب الصيام، الذي يعد ترويض للنفس وتزكيتها، وهو وسيلة للتقرب إلى الله، ثم الحج والعمرة لمن استطاع إليهما سبيلاً فهما من أعظم العبادات، وهما فرصة للتوبة والاستغفار، وكذلك تعلم العلم الشرعي، والمجالسة الصالحة، أي مجالسة العلماء والصالحين، والاستفادة من علمهم وخبرتهم وهنا تنتهي الوسائل.
ثم ينتقل بعد ذلك ابن القيم لتناول جزئية الآداب التي يجب على السالك أن يتحلى بها، وتأتي في مقدمتها الأدب مع الله، ثم الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، يليه الأدب مع القرآن الكريم، ويلحق به الأدب مع الوالدين، وكذا الأدب مع الأقارب، ثم الأدب مع الجيران، وبالمثل الأدب مع المسلمين.
ولم يغفل ابن القيم الأدب مع الكافرين، وأخيراً الأدب مع النفس، وقد تناول كل جزئية من الآداب داخل الكتاب بالشرح المستفيض.
لخصنا لك: ملخص كتاب كوني صحابية
القسم الرابع (منزلة العارفين)
ويصفها ابن القيم بأنها هي القمة التي يسعى إليها السالك في طريقه إلى الله، وهي أعلى المراتب التي يصل إليها من وفقهم الله، ويتناولها الإمام رحمه الله في كتابه “مدارج بوصف تفصيلي، مبينًا صفات العارف وأحواله، وما يميزه عن غيره.
فيبدأ بالإشارة إلى من هم العارفون باستفاضة، ثم يتناول صفات العارفين واحدة تلو الأخرى مع الشرح فيبدأ بالعلم، ثم الحكمة، وتليها الصبر، ثم الشكر، فالتواضع، ثم الزهد.
ثم يتناول الإمام جزئية أخرى ألا وهى أحوال العارفين فيصفه بالرؤية الشفافة، بمعنى أن يرى العارف الحقائق كما هي، ولا يخدعه الشيطان ولا يضلله، يليها السكينة والسرور.
ثم يحب العارف بالله الوحدة والانفراد بالله، ويتنزه عن الناس، فيلهم الله العارف بالحقائق، ويفتح عليه أبواب العلم، ثم الكشف فيكشف الله للعارف ما يخفى على غيره من العباد.
كتبنا لك: ملخص كتاب غداً أجمل
القسم الخامس (الأمراض الروحية وعلاجها)
يتناول هنا ابن القيم الأمراض التي تصيب القلوب وعلاجها، فكما للجسد أمراض، فالقلب والروح أيضًا لهم أمراض، فالأمراض الروحية هي تلك الآفات التي تصيب القلب وتشوه إيمان العبد، وتبعده عن الله.
وهي تتجلى في مجموعة من الصفات السلبية كالكبر والحسد والبغض والحقد والرياء والنفاق، هذه الأمراض تنشأ من ضعف الإيمان، وقوة النفس الأمارة بالسوء، وتعلق القلب بالدنيا وملذاتها.
ثم يشرح ابن القيم علاج هذه الأمراض الروحية بشكل مسهب، ويشير إلى أهمية علاجها بعدة طرق ذكرها داخل الكتاب حتى يستطيع المسلم أن يقترب من الله، وأن يعيش حياة هانئة مطمئنة.
أسئلة شائعة حول كتاب مدارج السالكين
فيما يلي أهم الأسئلة الشائعة حول كتاب مدارج السالكين
ما هي أهمية كتاب مدارج السالكين؟
يعتبر مرجعًا أساسيًا في مجال السلوك الإسلامي.
عدد صفحات كتاب مدارج السالكين؟
يبلغ عدد صفحات الكتاب 1168 صفحة
ما هي اللغات التي تم ترجمة الكتاب إليها؟
تم ترجمة بعض أجزاء الكتاب وليس كله نظراً لطول الكتاب وتعدد صفحاته وصعوبة النص الأصلي.
أقرأ معنا: ملخص كتاب دلائل الإعجاز للجرجاني
مقتطفات من كتاب مدارج السالكين
نعرض لكم مقتطفات متنوعة من كتاب مدارج السالكين كما يلي:
- “التوبة مفتاح كل خير، وهي كنز لا يفنى، فمن تاب إلى الله، تاب الله عليه، واستر عليه زلاته، ورفع قدره.”
- “الذكر هو نور القلوب، وشفاء الأمراض، ودواء الأحزان. فبالذكر تزكو النفوس وتتقوى، وبالذكر ترتفع الأرواح إلى العلا.”
- “محبة الله هي أسمى مقامات العارفين، وهي نور يضيء القلوب، ويطهرها من كل دنس.”
- “العشق الإلهي هو بحر لا ساحل له، وهو نار تحرق القلوب وتذيبها في بحر العشق الإلهي.”
- “الفناء في الله هو نهاية المطاف، وهو مقام لا يبلغه إلا من حظي بنصيب وافر من محبة الله ومعرفته.”
- “الصبر على البلاء هو مفتاح الفرج، وهو دليل على قوة الإيمان.”
- “الخلوة بالله هي سر العارفين، وهي من أسباب تقوية الإيمان وزيادة المحبة.”
- “الوحدة هي حالة روحية سامية، فيها يلتقي العبد بربه مباشرة، دون واسطة.”
- “الشريعة هي طريق الوصول إلى الحقيقة، وهي السلم الذي يصعد به العبد إلى مقامات العرفان.”
- “الغفلة هي عدو النفس، وهي السبب في ضياع الكثير من الأوقات والأعمار.”
وختاماً يمكننا القول؛ إن كتاب “مدارج السالكين” هو بحر واسع من المعرفة والحكمة، وقد حاولنا في هذا الملخص الموجز أن نستعرض بعضًا من أهم جوانبه، والتي نرجو أن نكون قد أوضحناها لكم ونتمنى لكم قراءة ممتعة مع كتاب مدارج السالكين لابن القيم الجوزية رحمه الله.